دور الأسرة في غرس القيم الإنسانية: بناء جيل متسامح ومسؤول

‏15 نوفمبر 2025 مدونة هادف الشهرية
دور الأسرة في غرس القيم الإنسانية: بناء جيل متسامح ومسؤول
مشاركة

 

تُعدّ القيم الإنسانية من أهم المقوّمات التي تُسهم في بناء الفرد والمجتمع، فهي الركيزة الأساسية التي تقوم عليها العلاقات الاجتماعية المتينة، والأسس الأخلاقية الراسخة للإنسانية. وتتنوع هذه القيم وتختلف باختلاف الثقافات والبيئات الاجتماعية، إذ تُشكل البيئة المحيطة بالإنسان مرجعية أولية لتحديد القيم التي يعتنقها، كما تُسهم في تشكيل اتجاهاته وسلوكه. فالفرد الذي ينشأ في بيئة غنية بالقيم الأخلاقية والمبادئ النبيلة يكون أكثر قدرة على التفاعل الإيجابي مع الآخرين، والمساهمة الفاعلة في تنمية مجتمعه.

وتلعب الأسرة دورًا محوريًا في نقل هذه القيم وترسيخها منذ مراحل الطفولة المبكرة، فهي المدرسة الأولى التي يتعلم فيها الطفل معاني الحب، والاحترام، والمسؤولية، والتعاون. ومن خلال الملاحظة والتقليد والممارسة اليومية، يكتسب الطفل هذه القيم، فتصبح جزءًا من شخصيته وسلوكه. فالأسرة ليست مجرد بيئة تربية فحسب، بل هي منظومة متكاملة لصقل الشخصية الإنسانية وغرس المبادئ التي يحتاجها الفرد ليصبح مواطنًا صالحًا قادرًا على التفاعل الإيجابي مع محيطه.

وإذا كانت الأسرة ذات طابع إسلامي منفتح، تسعى إلى التطوير المستمر وتقبل التعلم واكتساب الخبرات، فإن دورها في غرس القيم السامية يصبح أعمق وأكثر تأثيرًا. فالأسرة بهذا النهج تعمل على ربط القيم بالنماذج العملية، فالقيم ليست مجرد كلمات، بل ممارسات يومية يراها الطفل ويختبرها في الحياة الواقعية. ومن أبرز هذه القيم: العدالة، والاحترام، والمسؤولية، والتعاون، والتسامح، إذ تعتبر هذه المبادئ الأساس الذي يقوم عليه المجتمع المتماسك، والشخصية المتوازنة التي تستطيع مواجهة تحديات العصر الحديث.

وتبرز قيمة التسامح بشكل خاص، لما لها من دور محوري في تعزيز التعايش السلمي وقبول الآخر بمختلف توجهاته الثقافية والفكرية والاجتماعية. فالأسرة التي تُرسّخ مبدأ التسامح في نفوس أبنائها تُسهم في بناء جيل واعٍ قادر على الحوار البنّاء، متفهّم للاختلاف، ومؤمن بأن التنوع الثقافي والفكري والاجتماعي يمثل مصدرًا للثراء لا تهديدًا. ومن خلال الممارسة اليومية للتسامح، سواء في التعامل مع الأخوة، أو الجيران، أو الزملاء، أو المجتمع الأوسع، يكتسب الطفل مهارات التعامل الإنساني الراقي، ويصبح نموذجًا حيًا لتجسيد القيم النبيلة في حياته اليومية.

كما أن التربية القائمة على التسامح والاحترام المتبادل تعزز النسيج الاجتماعي، وتُسهم في بناء مجتمع متماسك يسوده الأمن الاجتماعي والسلام، وتحدّ من مظاهر العنف والتطرّف التي قد تهدد استقراره. فالأسرة التي تُربي أبناءها على التسامح تجعل منهم أفرادًا مسؤولين، قادرين على حل النزاعات بالحوار، والتعاون، والمشاركة في الأنشطة الاجتماعية والخيرية، والعمل على خدمة الإنسانية بروح إيجابية قائمة على التفاهم والمودة.

وعليه، يمكن القول إن الأسرة هي النواة الأساسية لبناء الإنسان المتسامح والمنفتح على الآخرين، فهي تزرع في أبنائها جذور القيم الإنسانية التي تحتاجها جميع المجتمعات، وتعدهم ليكونوا مواطنين صالحين، قادرين على العطاء، والمساهمة في بناء مجتمع متماسك يسوده الحب، والتعاون، والتعايش السلمي، والاحترام المتبادل. فالأسرة ليست مجرد مكان للتربية، بل هي مصنع لإعداد الإنسان الكامل، القادر على التفاعل الإيجابي، وصناعة فرق حقيقي في المجتمع، بما يضمن استمرار ثقافة القيم الإنسانية السامية عبر الأجيال.

 

في هذا اليوم، نتذكّر أن التسامح ليس مجرد كلمة تُقال، بل قيمة تُبنى في القلوب منذ الصغر.
هو الجسر الذي يصل بين القلوب رغم اختلافها، ويمنح أطفالنا القدرة على التفاهم، والتقبل، والعيش بسلام مع الآخرين.

ودورنا كمربين يبدأ من بيئة الصف، حيث نعلّم الأطفال أن الاعتذار قوة، وأن تقبّل الاختلاف احترام، وأن الخطأ فرصة للتعلّم لا للعقاب.
من خلال مواقفنا اليومية – حين نصغي بتفهّم، ونتعامل برفق، ونكون قدوة في الحلم والعفو – نغرس فيهم معنى التسامح الحقيقي الذي يثمر محبةً وتعاونًا.

ودور الأسرة لا يقل أهمية، فهي المدرسة الأولى التي يرى فيها الطفل التسامح حيًّا في المواقف الصغيرة قبل الكلمات.
عندما يرى والديه يختلفان باحترام، ويتحدثان بلطف، ويعتذران عند الخطأ، يتعلّم أن التسامح ليس ضعفًا، بل سموّ في التعامل.

 

ومن خلال القصص، والحوار الهادئ، والتشجيع على المصالحة والاعتذار، تنمو في داخله روح متصالحة تعرف كيف تتجاوز الخلاف وتحتوي الآخرين.

فلنجعل من بيوتنا وفصولنا بيئات تنبض بالتسامح،
تُربي قلوبًا رحيمة، وأرواحًا متفهمة، وعقولًا تُقدّر التنوع وتؤمن أن العالم أجمل حين يسوده التسامح.

 

هذا المقال منشور ضمن مدونة توينكل بمناسبة يوم التسامح العالمي